حُلم 🖤

18_انظر إلى شخص غريب من حولك وتخيل حياته واكتب قصته..

قفزت شيماء إلى سريري ثائرة الشعر وهي تصرخ في حماسة: ما قلتلك إيش شفت أمس في الحرم ؟

ثم فتحت معرض الصور ورفعت هاتفها فرأيت صورةً أسرى معها قلبي إلى أقصى الأرض، إلى الحب المسلوب، إلى جنة العاشقين ..

حيث وقف الحاج هناك أمام الجامع القبلي وراح يتأمله وقد اصطدمت سحب سعده وأحزانه، فأمطرت بعدها المقل..

ثم أولى محبوبه ظهره، فتذكر مشاهد الفراق التي كانت تعرض في تلفازه القديم الذي كان يبث له إشارات متقطعة عديمة الألوان، فيرى فيها شاباً تولى عن حبيبته في مشهد درامي حزين تصحبه موسيقى رديئة..

فتبكي الفتاة بحرقة ويكتفي الشاب بحبس الدموع، والتي لم يتبيّن الحاج إن كانت دموعاً حقاً أم أنها آثار التشويش وضعف الإرسال، ولكن ما يعرفه تماماً هو أن دموعه الآن هي ماء وفاء حقيقي تسقي به العينين جذور حبه لهذا الوطن..

نعم إنها المرة الأولى التي سيغادر فيها فلسطين، بل هي المرة الأولى التي سيفارق مدينة القدس تحديداً ..

حيث نشأ وتزوج وأنجب أول أبنائه ورأى أول أحفاده، ولكن روحه كانت تهفو لبلاد النخيل والحمام والأمن والأمان..

بالرغم من مخاوفه التي كانت تمنعه من تحقيق ذلك الحلم، فالاحتلال يضيق الخناق على عائلته يوماً بعد يوم ويترقب بشغف لحظة فتورهم ومللهم لهدم بيتهم القريب من رحاب الأقصى وتوسيع نفوده، ولكن أطماعه تحطمت حين اصطدمت بصمود الحاج وعائلته ومقاومتهم المستمرة، ناهيك أن الحاج شيخ طاعن يزحف للثمانين ولا طاقة له بمكابدة الطريق وكآبة منظر الجنود على الحواجز، وقد خاف أن يموت دون هدفه فلا يدفن في أرضه ولا في أرض الحرمين ..

كان يسير ويتوسد عكاز مخاوفه وخواطره، ولكنه حين لامس في نفسه ألم الفراق وذاق ملوحة الدمع أيقن أن طريقه لبلاد النخيل والحمام غدى مفروشاً بالشوق، بالحنين، بفارق التوقيت لا أكثر..

……

تعلن الخطوط السعودية عن وصول طائرة عمّان إلى جدة وذلك بتوقيت….

هبطت الطائرة فنزل الحاج ضمن أفواج الزوار وسار إلى أول تاكسي وأشار له قائلاً: مكة مكة لو سمحت ..

فاعترضت الحاجة قائلة : فيش وكت للراحة أنا أنهلكت ..

لم يرد ولم يلتفت بل قبِل بالأجرة وجلس إلى جوار السائق ليغط في نوم طويل.. مليء بالحمام والحواجز والنخيل ورسمات الفسيفساء وشوارع البلدة القديمة وأشياء أخرى لم يذكرها بعد ذلك..